عندما تقود وسائل الإعلام مسار التنمية:
النظرة الإعلامية مقابل النظرة الوطنية؛ هل أصبح الاقتصاد ضحية للدعاية؟
"ارمِ الخطاف واحتفظ بالجمهور!" — سمعنا هذه العبارة مرارًا في السنوات الأخيرة.
هذا النهج في إدارة الفضاء الإلكتروني ووسائل الإعلام لعب بوضوح دورًا رئيسيًا في تشكيل الرأي العام؛ خاصة في إيران، حيث أصبحت وسائل الإعلام، في غياب الدراسات العميقة والانتباه إلى قادة الرأي والخبراء، ليست فقط أداة إعلامية، بل عنصرًا موجهًا للقرارات الاستراتيجية والهوية الوطنية، وقد لوحظ أن هذا التأثير في بعض الأحيان تجاوز حدود التحليل العقلاني وتحول إلى تيارات دعائية وعاطفية.
السبب الرئيسي هو تغلّب الإثارة والعواطف على الحكمة الإعلامية. فوسائل الإعلام لديها القدرة على خلق الانسجام والدافع داخل المجتمع، ولكن إذا تأثرت بشكل مفرط بالانحيازات السياسية، فإنها قد تحرّف مسار القرارات الوطنية والمصيرية.
في بعض الدراسات، أثّرت وسائل الإعلام الجماهيرية بنسبة تصل إلى 22.8٪ على الانتماء الوطني، بينما كانت مساهمة السياسات الوطنية وبرامج التنمية أقل في هذا المجال. هذا الفارق يُظهر أن الإعلام يمكن أن يكون عاملاً في تعزيز التماسك الوطني، وفي بعض الأحيان، قد يؤثر على مسار اتخاذ القرارات الاستراتيجية.
خطوات عملية لتنظيم اتجاه وسائل الإعلام:
– تعزيز الوعي الإعلامي: يجب أن يكون لدى الجمهور القدرة على تحليل المحتوى الإعلامي وتجنّب التأثر العاطفي غير المنطقي.
– تحسين جودة التحليلات: يجب على وسائل الإعلام تقديم تحليلات معمّقة ومستندة إلى البيانات بدلاً من إثارة العواطف فقط.
– دعم وسائل الإعلام المستقلة: خلق بيئة إعلامية متنوعة يتيح عرض وجهات نظر مختلفة ومنطقية.
– إصلاح السياسات الإعلامية: من الضروري وضع أطر لتقليل تأثير العواطف الدعائية وتشجيع النهج العقلاني.
إذا استطاعت وسائل الإعلام تحقيق توازن دائم بين جاذبية المحتوى والتحليل العقلاني، يمكن حينها توقّع دور أكثر فاعلية وبناءً في صياغة السياسات الكبرى.
الرؤية الوطنية أم الإعلامية؟ التناقض الدائم في الملفات الاقتصادية الكبرى
تأثير وسائل الإعلام؛ الضائع بين العاطفة والعقل
في العديد من الملفات الاقتصادية والتنموية المهمة، هناك دائمًا رؤيتان سائدتان: الرؤية الوطنية التي تؤكد على ضرورة الاستثمار والتحول والبنية التحتية الأساسية، والرؤية الإعلامية التي تركز أكثر على الجوانب الاستعراضية والإعلانية، وأحيانًا حتى على تضخيم المشكلات أو الإنجازات. هذا التناقض أثّر على الكثير من المشاريع الكبرى وجعل عملية اتخاذ القرار أكثر تعقيدًا للحكومات والمستثمرين.
وهذا في حين أن الثقافة الإيرانية بطبيعتها تعطي العاطفة والحماس أولوية على العقلانية والمنطق، وهو أمر له جذور تاريخية واجتماعية وأدبية. وتُظهر بعض الدراسات أن الحدس والعقلانية في الثقافة الإيرانية كانا دائمًا في تفاعل معقد، مما أدى إلى أن تتفوّق المشاعر والعواطف في كثير من القرارات الاجتماعية والاقتصادية على التحليلات المنطقية والمبنية على البيانات.
هذه السمة الثقافية يمكن أن تخلق فوائد وتحديات في آن واحد؛ فمن جهة، يمكن للعواطف القوية أن تعزز التماسك الاجتماعي والتضامن الوطني، ومن جهة أخرى، قد تؤدي إلى أن تؤثر وسائل الإعلام، من خلال استغلال هذه المشاعر، على القرارات الكبرى بدافع العاطفة اللحظية.
الحاجة الحقيقية للبلاد إلى الاستثمار والتحول؛ القطاع الخاص في ساحة التنمية
بينما أعلن قائد الثورة هذا العام عامًا للاستثمار من أجل الإنتاج، ويحتاج اقتصاد البلاد إلى استثمارات واسعة وجدية لتطوير البنى التحتية الحيوية، فإن تغلّب النظرة الإعلامية أحيانًا من خلال خلق موجات إعلامية، يُخيف الحكومات من دعم المستثمرين في القطاع الخاص. وإذا أضفنا إلى ذلك القيود المالية والبيروقراطية المعقدة، سنلاحظ إلى أي مدى يمكن أن تتشكل القرارات النهائية — عن قصد أو غير قصد — بما لا يخدم المصلحة الوطنية.
وهذا في وقت تحتاج فيه الدول النامية إلى استثمارات هادفة وبرامج تحوّل فعّالة لتحقيق تقدم مستدام، كي تتمكن من تعويض البنى التحتية المتهالكة والتقنيات القديمة ونقص الموارد المالية، وتزيل العقبات التي تحول دون قدرتها على المنافسة عالميًا.
في هذا السياق، قد تؤدي وسائل الإعلام أحيانًا، من خلال تركيزها المفرط على الجوانب الثانوية والدعائية، إلى تهميش القضية الأساسية، أي ضرورة التغيير والتطوير، فيتراجع المستثمر الخاص عن تخصيص موارده المالية لتنمية البلاد، ويفكر بدلًا من ذلك في الاستثمار ضمن بيئات أكثر استقرارًا. وتشير الإحصاءات إلى أن أحد أسباب هروب رؤوس الأموال في السنوات الأخيرة هو الجو الإعلامي المتشنج؛ حيث تفضل بعض وسائل الإعلام النقد وإبراز المشكلات على دعم قدوم المستثمرين، مما يدفع القطاع الخاص إلى التراجع.
وفقًا للتقارير، تحتاج إيران إلى استثمارات تتراوح بين 100 إلى 135 مليار دولار لتطوير بنيتها التحتية في مجال الطاقة، إلا أن الفضاء الإعلامي في كثير من الأحيان يركّز على الجوانب العاطفية والنقدية بدلًا من تقديم تحليلات فنية، مما يعوق جذب الاستثمارات المطلوبة. وهذا رغم أن القطاع الخاص يمكن أن يكون فاعلًا رئيسيًا في هذا المجال، عبر الاستثمار والابتكار لتسريع مسار النمو الاقتصادي.
وسائل الإعلام: محرك للتحول أم عائق للتنمية؟ ماذا تقول العقلانية؟
في عالم اليوم، تحدث التحولات الاقتصادية والاجتماعية بسرعة، إلا أن الخلافات في الرؤى والتحديات الهيكلية تعيق التقدم السريع. لذلك، يجب أن تُتخذ القرارات الاستراتيجية على أساس العقلانية، والدراسات الدقيقة، وبعيدًا عن التأثيرات السطحية. تلعب وسائل الإعلام دورًا مهمًا في توعية الرأي العام وتسهيل الاستثمار الخاص، ولكن إذا اقتصر دورها على إثارة الضجيج، فسيتعطل مسار التحول. إذ إن التقدم يتطلب قرارات جريئة، وإرادة حقيقية لتنفيذها، ودعم الاستثمار، والابتعاد عن الخطابات الشعاراتية.
كذلك، من الضروري لتحقيق تنفيذ فعّال للمشاريع الكبرى، إيجاد توازن بين الرؤية الوطنية والرؤية الإعلامية. يمكن لوسائل الإعلام أن تلعب دورًا أساسيًا في التوعية، وتوفير الشفافية، وتسهيل دخول القطاع الخاص إلى ساحة التنمية، لكن إذا اقتصر دورها على الجوانب الاستعراضية والإثارية، فإن عملية التحول ستواجه اضطرابات.