كيف يمكن كسب ثقة المستثمرين المحليين والأجانب؟
المخاطر و القرارات الجريئة هي مفتاح تحول وتنمية اقتصاد إيران؛ من الشعارات إلى الواقع
يصارع الاقتصاد الإيراني منذ سنوات طويلة الفرص والتحديات العديدة في ساحة تتقاطع فيها المخاوف والآمال. وخلال هذه السنوات، لطالما كانت شعارات مثل ضرورة استثمار القطاع الخاص، وتطوير البنى التحتية، والتحول الاقتصادي، جزءًا ثابتًا في السياسات، لكن الواقع الحالي يُظهر أن تحقيق هذه الأهداف أصبح نادرًا، ويتطلب شجاعة فعلية ودخولًا حقيقيًا للقطاع الخاص إلى الساحة.
من ناحية أخرى، يحتاج المستثمرون إلى بيئة مستقرة وآمنة لدخول السوق، وعلى الرغم من أن إيران تمتلك قدرات كبيرة في جذب الاستثمار، فإن عقبات خطيرة مثل التقلبات الاقتصادية، والعقوبات، والتعقيدات الإدارية، جعلت طريق دخول المستثمرين صعبًا. في الواقع، إيران تملك إمكانات عالية للاستثمار، لكن دخول رؤوس الأموال الكبيرة وبناء ثقة المستثمرين يتطلب اقتصادًا نشطًا وتنافسيًا، وصياغة سياسات شفافة، وتسهيل القوانين، ودعم القطاع الخاص، وتنفيذ إصلاحات قانونية. إذ يجب صياغة السياسات الاقتصادية بطريقة تُمكن المستثمرين الكبار من دخول السوق الداخلية بأمان وثقة كاملين.
وفي هذا السياق، تُطرح العديد من الشعارات حول النمو والتحول الاقتصادي في إيران، لكن الوضع الراهن يُبيّن أن التنمية المستدامة لن تتحقق دون قبول المخاطر المحسوبة ودخول جدي للقطاع الخاص، إذ إن المستثمر الجريء والمجازف هو من يمهد طريق النمو الاقتصادي للبلاد من خلال قراراته الشجاعة.
لذا، وعلى الرغم من أن أية اقتصاد لا يمكن أن يصل إلى النمو المستدام دون قبول المخاطر الكبرى، إلا أن إيران اليوم أمام خيار حاسم بين الحفاظ على الوضع غير المرغوب القائم أو الدخول في مسار تحول تاريخي. إن الإصلاحات الاقتصادية، وتطوير البنى التحتية، ودعم القطاع الخاص، وإقامة علاقات دائمة مع المستثمرين، هي خطوات من شأنها أن تخلق أرضية لنمو حقيقي ومستدام لاقتصاد البلاد. ولكن تحقيق هذه الأهداف يتطلب، أولًا وقبل كل شيء، شجاعة في اتخاذ القرار وتغييرات جذرية في السياسات الاقتصادية للبلاد.
الاستثمار في البنى التحتية، حاجة وطنية حقيقية
كما ذكرنا، لا يمكن لأي بلد أن يحقق ازدهارًا اقتصاديًا بدون استثمارات مستدامة وتطوير للبنية التحتية. الاقتصاد الإيراني يحتاج إلى استثمارات واسعة في مجالات متعددة، من النقل إلى الطاقة والنفط والغاز، والتقنيات الاقتصادية الحديثة، وسوق العملات الرقمية. لكن العقبة الرئيسية أمام تحقيق ذلك هي غياب بيئة مناسبة للاستثمار الآمن والمستدام. السياسات المتغيرة، وعدم استقرار القوانين، وغياب الدعم العملي للمستثمرين، بل وحتى ملاحقات قضائية ضد أولئك الذين يسعون لتحسين الوضع الاقتصادي للبلاد والمواطنين، إلى جانب انشغال صناع القرار بالأمواج الإعلامية والمصالح الحزبية، كلها عقبات خطيرة على طريق التنمية الاقتصادية وتُخيف المستثمر من نقل أمواله إلى السوق المحلية.
القطاع الخاص هو العامل الرئيسي للتحول؛ بالشجاعة، لا بالشعارات
في جميع الاقتصادات المتقدمة في العالم، يُعتبر القطاع الخاص المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي. وكذلك في إيران، فإن القطاع الخاص النشط والقوي قادر على أداء هذا الدور الحيوي، لكن هناك قيودًا متعددة، منها التعقيدات الإدارية، والتدخلات الواسعة من قبل الدولة، وغياب آليات شفافة للاستثمار، ما يمنع دخول القطاع الخاص بقوة إلى الساحة الاقتصادية. لذا، فإن تهيئة البيئة المناسبة لنمو الأعمال، وتقليل مخاطر الاستثمار، وضمان الأمن الاقتصادي للمستثمرين، يمكن أن يمهد الطريق أمام هذه المشاركة.
في حين أن التحول الاقتصادي لا يمكن أن يظل مجرد شعار، فإن تحقيقه يتطلب شجاعة، وقرارات صعبة، وتنفيذ برامج تجذب الاستثمارات الكبرى. إن الشجاعة في إصلاح البُنى الاقتصادية من حيث الرقابة والتسهيل لدخول القطاع الخاص الجريء والمتخصص، وتقليص تدخل الدولة، وخلق فرص حقيقية لدخول المستثمرين المحليين والأجانب، هو خطوة أساسية في طريق تنمية البلاد.
طرق جذب المستثمرين الكبار
لجذب المستثمرين الكبار، تحتاج إيران إلى مجموعة من السياسات الاقتصادية المستقرة والشفافة التي تُكسب ثقة المستثمرين المحليين والأجانب. وفيما يلي بعض من أبرز السياسات الضرورية في هذا المجال:
١- الاستقرار الاقتصادي وتقليل مخاطر الاستثمار: يسعى المستثمرون إلى بيئة ذات أدنى حد من التقلبات الاقتصادية. إن خفض التضخم، وتثبيت سعر الصرف، ووضع سياسات مالية مستقرة من شأنه أن يقلل من مخاطر الاستثمار.
٢- الإصلاحات القانونية وتسهيل قوانين الاستثمار: سنّ قوانين شفافة وتقليص البيروقراطية الإدارية لتسجيل الشركات والحصول على التراخيص اللازمة وضمان الأمن الاقتصادي والقانوني للمستثمرين من بين الخطوات التي يمكن أن تسهّل دخول المستثمرين.
٣- تحسين العلاقات الدولية ورفع العقوبات: يتطلب الاستثمار الأجنبي عادةً اتصالات مالية ومصرفية دولية. لذلك فإن رفع العقوبات وإبرام اتفاقيات اقتصادية مع دول أخرى يمكن أن يمهد الطريق لدخول المستثمرين.
٤- دعم القطاع الخاص وتقليل هيمنة الدولة: يجب على الحكومة أن تلعب دورًا إشرافيًا وتفسح المجال للقطاع الخاص للعب دور أكثر فاعلية في الاقتصاد. إن تقليل التدخلات الحكومية وخلق بيئة تنافسية سليمة يمكن أن يشجع المستثمرين على دخول السوق الإيراني.
٥- الحوافز المالية والضريبية: تقديم إعفاءات ضريبية، وتسهيلات مصرفية، ودعم حكومي للمستثمرين يمكن أن يزيد من جاذبية الاستثمار في إيران. إن تحسين بيئة الأعمال، وتقليل البيروقراطية، وتقديم حوافز مالية وضريبية للمستثمرين في القطاع الخاص، هو سبيل للخروج من الظروف الاقتصادية الصعبة.
٦- تطوير البنى التحتية الاقتصادية: يبحث المستثمرون عن بيئة ذات بنية تحتية مناسبة، ويمكن لتطوير النقل، والطاقة، وتكنولوجيا المعلومات أن يُهيّئ الأرضية لدخول رؤوس أموال كبيرة. ومن الجدير بالذكر أن المستثمرين الكبار هم أنفسهم منشئو البنى التحتية الحيوية للبلاد.
٧- قبول المخاطر الضرورية لتحقيق النمو الاقتصادي: يشكل تحول البنية الاقتصادية، وتقليل الاعتماد على عائدات النفط، وتنويع مصادر دخل الدولة، وتطوير القطاعات الصناعية والتكنولوجية بالاعتماد على القطاع الخاص، من أهم طرق جذب المستثمرين الكبار.
٨- قبول التغييرات في السياسات المالية والنقدية: ويتحقق ذلك من خلال تطبيق سياسات جريئة للسيطرة على التضخم، وإرساء الاستقرار في سعر الصرف، وإصلاح النظام المصرفي والمالي من أجل جذب المستثمرين المحليين والأجانب، وتسهيل دخول المشاريع المبتكرة والشركات الناشئة إلى السوق.
التحول يبدأ من الإيمان، والمستقبل من العمل
نمو الاقتصاد الإيراني يحتاج إلى قرارات جريئة وتغييرات جذرية، ولن يكون هذا الطريق ممكنًا دون الإيمان بالتحول، وقبول المخاطر المنطقية، وبناء بيئة مستقرة للاستثمار وتحقيق مستقبل مرغوب فيه. وفي حين أن اقتصادنا الوطني في الظروف الراهنة بحاجة إلى تغييرات جذرية أكثر من أي وقت مضى، وقبول المخاطر الكبيرة في السياسات، فإنه لا يمكن تحقيق تحول اقتصادي دون دخول جاد للقطاع الخاص ودون شجاعة في اتخاذ القرارات. وبناءً على ما ورد في هذا المقال، فإن إنشاء هياكل شفافة، والدعم الحقيقي للمستثمرين، وتقليل العقبات البيروقراطية، يمكن أن يُشكل مستقبلًا أكثر إشراقًا لاقتصاد البلاد. مستقبل يُصنع، لا يُكتشف.